فصل: كِتَابُ الْقِسْمَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ الْقِسْمَةِ

الْقِسْمَةُ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ‏)‏ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهَا قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَإِنَّمَا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْكَافَّةَ فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ غُرْمًا بِغُنْمٍ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ‏)‏ مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُون عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ‏)‏ يَعْنِي عَدْلًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمِينًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَصَلَ مِنْهُ الْحَيْفُ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ‏)‏ أَيْ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّ فِي إجْبَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَيَتَقَاعَدُ بِهِمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ‏)‏ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا تَحَكَّمُوا عَلَى النَّاسِ فِي الْأَجْرِ وَتَقَاعَدُوا عَنْهُمْ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَتَرْخُصُ الْأُجْرَةُ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَرُبَّمَا يَتَصَعَّبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ‏)‏ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ قُلْنَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ‏:‏ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَا لِلْقِسْمَةِ قِيلَ‏:‏ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لَهَا فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَقَوْلُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا وَأَمَرَ إنْسَانًا لِيَكِيلَهُ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ زِيَادَةٌ يَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَيُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ إذَا ادَّعُوهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَقْسِمُهَا وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى‏.‏

وَأَمَّا الْعَقَارُ فَهُوَ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ ‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ‏)‏ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُمْ فِي الْحَالِ الظَّاهِرِ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ هُوَ مِلْكٌ مُسْتَأْنَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعٍ بِعَيْبٍ فَإِذَا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا عَلَيْهِمْ وَلَا يَكُونُ تَصَرُّفًا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ فِيهِ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ الْوَارِثُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ بِالْعَيْبِ فَالْقِسْمَةُ فِيهَا تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَدَّقُونَ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ‏)‏ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمَةِ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَمَتَى كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْمَيِّتِ وَبِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا تَبِينَ امْرَأَتُهُ وَلَا يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ مَوْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا عَلِمْنَاهُ بِإِقْرَارِهِمْ وَإِقْرَارُهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مِمَّا سِوَى الْعَقَارِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ عُرُوضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ حِفْظًا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ فَإِذَا قَسَمَ حَفِظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَصَلَ لَهُ وَالْعَقَارُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ‏)‏ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ‏)‏ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي أَيْدِيهِمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَلَا يَدَّعُونَ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَقْسِمُهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُ يَتَضَرَّرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ‏)‏ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنْتَفِعٌ بِهِ فَاعْتُبِرَ طَلَبُهُ وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْوَلَكِنْ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَضَرَّرُ لَمْ يَقْسِمْ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا‏)‏ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا وَيَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ‏)‏ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ كَالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يَقْسِمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَانِ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ‏)‏ يَعْنِي بِانْفِرَادِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ قَسَمَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنَّمَا لَا يَقْسِمُ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِتَرَاضِيهِمْ جَازَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا الْجَوَاهِرَ‏)‏ الْمُتَفَاوِتَةَ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ لِأَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا يَنْقَسِمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ جِنْسٌ مِنْهَا فَالتَّعْدِيلُ فِيهِ يُمْكِنُ فَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ ضَبْطُ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُبْتَغَاةَ مِنْهُمْ الْعَقْلُ وَالْفَطِنَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالِاحْتِمَالُ وَالْوَقَارُ وَالصِّدْقُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْوَفَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارُوا كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا إلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ سِوَاهُ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا قَسَمَ وَأَدْخَلَ فِيهِ الرَّقِيقَ تَبَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ‏:‏ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَرَاضِي الْمُلَّاكِ بِذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يَقْسِمُ الرَّقِيقَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ قُلْنَا‏:‏ رَقِيقُ الْمَغْنَمِإنَّمَا قُسِمَ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ تَبَعٌ فَافْتَرَقَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ‏)‏ وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لِاشْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَنَصَّبَ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ‏)‏ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ لَهُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ‏)‏ وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَقْسِمْ‏)‏ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ اسْتِحْقَاقًا لِيَدِ الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ وَلَا خَصْمَ هُنَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ‏)‏ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَالْغَائِبُ صَغِيرًا نَصَّبَ الْقَاضِي لِلصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّ الدُّورَ الْمُخْتَلِفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا‏)‏ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ أَصْلَ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَفِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ فِي مَحَالَّ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قَسَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ‏)‏ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الدَّارَ وَالضَّيْعَةَ جِنْسَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَا يُقْسَمُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ‏.‏

وَفِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ‏)‏ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ يَعْنِي يَكْتُبُ عَلَى كُلِّ كَاغِدَةٍ‏:‏ نَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا وَنَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا لِيَرْفَعَ تِلْكَ الْكَاغَدَةَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ‏.‏

وَفِي الْحَوَاشِي مَعْنَاهُ يُصَوِّرُ مَا يَقْسِمُهُ قِطَعًا وَيُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ وَيَعْتَبِرُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهُ أَسْدَاسًا وَإِنْ كَانَ رُبُعًا جَعَلَهُ أَرْبَاعًا لِيُمْكِنَ الْقِسْمَةُ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ سُدُسٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِلْآخَرِ نِصْفٌ جَعَلَهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا وَيَكْتُبُ أَسَامِيهِمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً وَيُلْقِيهَا فِي كُمِّهِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَفِي بِسَهْمِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَاحِبَ السُّدُسِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيُعَدِّلَهُ‏)‏ أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْقِيمَةُ أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَذْرَعَهُ‏)‏ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُقَوِّمُ الْبِنَاءَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ إذْ الْبِنَاءُ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ فَيُقَوَّمُ حَتَّى إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بِالْمِسَاحَةِ وَوَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ يَعْرِفُ قِيمَةَ الدَّارِ لِيُعْطِيَ الْآخَرَ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الثَّانِي بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ‏)‏ فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً ثُمَّ يُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِوَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ وَعَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجُ الْقُرْعَةَ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي‏)‏ وَالْقُرْعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَطْيِيبِ الْأَنْفُسِ وَسُكُونِ الْقَلْبِ وَلِنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ‏)‏ لِأَنَّ إدْخَالَ ذَلِكَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً وَالْمُعَاوَضَةُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَصُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ وَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُون عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُون عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ وَيُسَيِّلَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ‏)‏ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَصِيرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ فَلِهَذَا فُسِخَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاسِمُ شَرَطَ فِيهَا أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الطَّرِيقَ وَالْمَسِيلَ فِي حَقِّ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قَوَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقَسَمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا يَعْتَبِرُ بِغَيْرِ ذَلِكَ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ بِالذِّرَاعِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ سُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوٌّ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ عُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ أَيْ عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ أَيْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذِّرَاعِ هِيَ الْأَصْلُ فَيُصَارُ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرًا أَوْ إصْطَبْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذِّرَاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ‏.‏

بَيَانُهُ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْبِنَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا السَّاحَةُ فَتُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ فَذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ ذِرَاعٌ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا السُّكْنَى وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ أَنْقَصُ مِنْ مَنْفَعَةِ السُّفْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ السُّكْنَى وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ أَوْتَادًا وَمِرْبَطًا لِلدَّوَابِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا السُّكْنَى لَا غَيْرَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ السُّفْلِ وَمَنْفَعَةُ السُّفْلِتَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلُوِّ‏.‏

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْسِمَانِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ‏(‏مَسَائِلُ‏)‏ بَيْتٌ كَامِلٌ وَهُوَ سُفْلٌ وَعُلُوٌّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَةَ ذَلِكَ بِالتَّعْدِيلِ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ بَيْتِ الْكَامِلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ لِأَنَّ ذِرَاعًا مِنْ عُلُوِّهِ بِذِرَاعٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُلُوِّ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ هَذَا بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوِّ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ ذِرَاعٌ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ فَإِنْ كَانَ سُفْلٌ وَبَيْتٌ كَامِلٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ مِائَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَخَمْسُونَ مِنْ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ عُلُوٌّ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا‏)‏ هَذَا قَوْلُهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا تُقْبَلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفِي شَرْحِهِ إنْ قَسَمَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَسَمَا بِأُجْرَةٍ لَا تُقْبَلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَأَمَّا إذَا قَسَمَا بِالْأَجْرِ فَإِنَّ لَهُمَا مَنْفَعَةً إذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَقَدْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ‏:‏ اسْتَوْفَيْت حَقِّي ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَخَذْت بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَمَامِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِيفَائِهِ لِنَصِيبِهِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا عَلَى خَصْمِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ‏)‏ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ لَمْ يُقِرَّ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ لَا فِي جَمِيعِ الدَّارِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ مُشَاعًا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَبْطُلْ احْتَجْنَا إلَى الْقِسْمَةِ لِمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُسْتَحَقِّ فَيَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ فَيَتَضَرَّرُ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا مَقْسُومًا فَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَفَرَّقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ يَرْجِعُ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ وَهَذَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مُشَاعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ هُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

الْإِكْرَاهُ اسْمٍ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا خَافَ الْمُكْرَهُ تَحْقِيقَ مَا تُوُعِّدَ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَادِرِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَوْلُنَا فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْإِتْلَافِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ كَامِلًا بِأَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْقَطْعِ فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَيَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ لِتَحَقُّقِ الْإِلْجَاءِ إذْ الْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ يَضْطَرُّهُ إلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَقْدِرْ الْمُكْرَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ لِعَجْزِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ وَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْحَبْسِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَجَعَ بِالْمَبِيعِ‏)‏ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْعُقُودِ التَّرَاضِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا ثَبَتَ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَا يُفْسَخُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى أَبْعَاضِهَا وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُوَالْأَلْفَ الثَّانِيَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا ابْتَدَأَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْله ‏(‏وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ‏)‏ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ‏)‏ يَعْنِي الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَىقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ إنْ شَاءَ‏)‏ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ‏)‏ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ‏)‏ وَمِثْلُ هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِهِ مَا تَوَعَّدُوهُ بِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَهُ تَنَاوُلُهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ‏)‏ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَمَنْ وَجَدَ طَعَامًا مُبَاحًا فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِمًا‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِإِكْرَاهٍ حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ‏)‏ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَذْفِ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ أَوْ شَتْمِهِمَا قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ‏)‏ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ فَاعِلُوهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ‏)‏ لِمَا رُوِيَ ‏{‏أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَكْرَهُوهُ حَتَّى قَالَ فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرًّا فَلَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ أَكْرَهُونِي حَتَّى قُلْت فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقُلْت فِيك شَرًّا قَالَ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ لَا إلَى الْكُفْرِ‏}‏ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ‏{‏إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ‏}‏ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوَاتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً وَإِنْ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ وَقَالَ كُنْت مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يُصَدَّقْ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا‏)‏ أَيْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ‏{‏الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا حَبِيبَ بْنَ عَدِيٍّ فَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَذْكُرَنَّ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ وَتَشْتُمُ مُحَمَّدًا فَكَانَ يَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَيَذْكُرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ وَسَمَّاهُ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ‏}‏قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَاف مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجَاعَةِ وَالْإِكْرَاهِ ضَرُورَةٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ‏)‏ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَا يَسَعُهُ قَتْلُهُ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَقْتُلَ فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا وَيُعَزَّرُ‏)‏ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا قَوْلُهُ ‏(‏وَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا‏)‏ وَهَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَعَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمَأْمُورِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ هَذَا قَتْلَ عَمْدٍ تَحَوَّلَ مَالًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْآلَةِ فَكَأَنَّهُ أُخِذَ بِيَدِ الْمُكْرَهِ وَفِيهَا سَيْفٌ فَقَتَلَهُ بِهِ وَقُيِّدَ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ إجْمَاعًا وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ لَا يُحْرَمُ الْمُكْرَهُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَقَالَ لَهُ فُلَانٌ إنْ قَتَلْتنِي فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَمِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَهُوَ آثِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَجِبُ دِيَتُهُ فِي مَالِ الْآمِرِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ مِثْلِ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَلِلْقَاتِلِ الْوَارِثِ أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي أَكْرَهَهُ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ مُنِعَ الْمِيرَاثَ وَإِنْقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْطَعَنَّ يَدَك وَسِعَهُ قَطْعُ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِقَطْعِهَا إلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ‏)‏ هَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِكْرَاهُ لَا يَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْفَيْءِ فِيهِ وَالْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ فَأَعْتَقَ صَحَّ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عِنْدَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مُسَمًّى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ جَازَ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ مِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا سَمَّيَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ حَتَّى أَنَّهُ يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ تَمَامِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ هَذَا كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمِلْكِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ السِّعَايَةَ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْعِتْقِ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى رَجَعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَىالْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ إذْ الْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَهْرُ وَالْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا تَأَكَّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ فَأَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ كَامِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ‏)‏ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ وَهُوَ لَا يَكُونُ مَعَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ اللَّذَّةِ وَسُكُونِ النَّفْسِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فَكَأَنَّهُ زَنَى بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا التَّمْكِينُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُمْكِنُ مُغَالَبَتُهُ وَلَا التَّظَلُّمُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْفِرَاشِ وَضَيَاعَ النَّسْلِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ‏)‏ وَيُعَزَّرُ سَوَاءٌ أَكْرَههُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ فَيَصِحُّ الْإِكْرَاهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو مِنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْقَيْدَ إكْرَاهٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ فَأَمَّا الْمَحْظُورَاتُ فَلَا إكْرَاهَ فِيهَا إلَّا بِمَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا فِي الظَّاهِرِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكُونُ مُسْلِمًا إنْ أَخْلَصَ الْإِيمَانَ وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَرِثُ مِنْ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ أُكْرِهَ كَافِرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا‏}‏ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏}‏ وَهَذَا إكْرَاهٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏